recent
أخبار ساخنة

**"تغيير رأيي" لجوليان بارنز: رحلة فكرية في فن المراجعة الذاتية وتقلبات الذاكرة**

الصفحة الرئيسية
الحجم
محتويات المقال

 

 

**"تغيير رأيي" لجوليان بارنز: رحلة فكرية في فن المراجعة الذاتية وتقلبات الذاكرة**

 

**مقدمة جوليان بارنز وصوت المفكر المتأمل**

 

يُعد جوليان بارنز، المولود عام 1946، أحد أعمدة الأدب البريطاني المعاصر، وشخصية أدبية فذة استطاعت أن تحفر اسمها بحروف من ذهب في سجل الروائيين العالميين.


يُعد جوليان بارنز، المولود عام 1946، أحد أعمدة الأدب البريطاني المعاصر، وشخصية أدبية فذة استطاعت أن تحفر اسمها بحروف من ذهب في سجل الروائيين العالميين.
**"تغيير رأيي" لجوليان بارنز: رحلة فكرية في فن المراجعة الذاتية وتقلبات الذاكرة**

 يُعرف بارنز بقدرته الاستثنائية على الغوص في أعماق النفس البشرية، واستكشاف تعقيدات الذاكرة، وتفكيك طبقات الزمن والتاريخ بأسلوب يجمع بين العمق الفلسفي، والرشاقة السردية، واللمسة الساخرة اللاذعة أحيانًا. 

. لم يقتصر إبداعه على الرواية التي جلبت له شهرة واسعة وجوائز مرموقة مثل جائزة البوكر عن روايته "الإحساس بالنهاية" (The Sense of an Ending)، بل امتد ليشمل القصة القصيرة، والمقالة الأدبية والنقدية، حيث يظهر وجه آخر لبارنز: المفكر المتأمل، والمحلل الثقافي، والمراقب الذكي لتقلبات الفكر والمجتمع

 

  • في هذا السياق، يأتي كتابه "تغيير رأيي" (Changing My Mind)، الصادر عن دار "نوتينغ هيل
  •  إيديشنز"، ليقدم لنا خلاصة تأملات وخبرات ورؤى تراكمت عبر سنوات، مقدَّمة في قالب مجموعة
  •  من المقالات المنتقاة بعناية، بعضها سبق وأن أُذيع عبر الأثير قبل عقد من الزمان. الكتاب، رغم
  •  صغر حجمه (57 صفحة بطباعة دقيقة)، يمثل دعوة مكثفة للتفكير، ونموذجًا لفضيلة المراجعة الذاتية
  •  والتحلي بالمرونة الفكرية في عالم سريع التغير.

 

**الذاكرة وهم الحقيقة الراسخة أم خيال فردي؟**

 

يفتتح بارنز كتابه بقسم محوري ومثير للتأمل العميق حول "الذاكرة"،

 وهو موضوع طالما شغل حيزًا كبيرًا في أعماله الروائية. يقدم بارنز، من منظور رجل تجاوز عتبة الشباب ودخل مرحلة النضج المتقدم، رؤية تتسم بالواقعية، وربما بالقسوة، حول طبيعة الذاكرة البشرية. يتفق القارئ، لا سيما من ينتمي إلى جيل بارنز أو الأجيال الأكبر سنًا، مع ملاحظاته الدقيقة حول "كيف تتدهور الذاكرة".

 

  1. لم يعد بارنز يرى في الذاكرة ذلك السجل الأمين للماضي، أو الدليل القاطع على ما حدث بالفعل. بل
  2.  يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، متأثراً بشقيقه الفيلسوف، ليعتبر أن "ذاكرة شخص واحد ليست أكثر
  3.  من ضرب من الخيال عندما تكون غير مدعومة بأدلة أو شهادات أخرى". هذه النظرة، التي قد تبدو
  4.  صادمة للبعض، هي في جوهرها دعوة للتشكيك الصحي، ولإدراك الطابع الذاتي والانتقائي والهش
  5.  للذاكرة الفردية. إنها تتأثر بالعواطف، وتُعاد صياغتها مع مرور الوقت، وتُلوَّن بالرغبات والتجارب
  6.  اللاحقة. تصبح الذاكرة، في منظور بارنز المتأخر، أشبه بعملية بناء مستمرة، نصًا مفتوحًا للتعديل

 والتأويل، أكثر من كونها أرشيفًا ثابتًا وموثوقًا. هذه الرؤية لا تقلل من أهمية الذاكرة الشخصية كجزء من الهوية، لكنها تضعها في إطارها الصحيح كبنية ذاتية تحتاج إلى دعم وتأكيد خارجي لتكتسب درجة أعلى من المصداقية. إنها دعوة للتواضع المعرفي أمام ما نعتقد أننا نتذكره.

 

**مرونة الفكر فضيلة تغيير الرأي**

 


**"تغيير رأيي" لجوليان بارنز: رحلة فكرية في فن المراجعة الذاتية وتقلبات الذاكرة**

"تغيير الرأي" ليس مجرد عنوان للكتاب، بل هو الفكرة الجوهرية التي تنسج خيوط الأقسام المختلفة: الكلمات، السياسة، الكتب، السن والوقت.

 يرى بارنز في القدرة على تغيير الرأي دليلاً على الحيوية الفكرية والنضج، وليس علامة ضعف أو تذبذب. إنه يرفض الجمود العقائدي ويحتفي بالمرونة، بالقدرة على إعادة تقييم الأفكار والمعتقدات في ضوء معلومات جديدة أو تجارب مختلفة أو حتى تغير في الحساسية الجمالية.

 

  • يقدم مثالاً طريفًا ودالًا على ذلك حين يتحدث عن تغير نظرته للكاتب البريطاني إي. إم. فورستر. لم
  •  يكن بارنز من أشد المعجبين به، لكن قراءة وصفٍ لفطور شهي قُدّم لفورستر على متن قطار مائي
  •  متجه إلى لندن في ثلاثينيات القرن الماضي ("هل تريد عصيدة الشوفان أم البرقوق، يا سيدي؟")
  •  كانت كفيلة بتغيير رأيه، أو على الأقل، بتلطيف حكمه المسبق. قد يبدو الأمر بسيطًا، لكنه يكشف عن
  •  آلية دقيقة في عملية التقييم: كيف يمكن لتفصيلة صغيرة، لمسة إنسانية، أو صورة حية أن تفتح نافذة
  •  جديدة على فهم شخصية أو عمل أدبي، وتدفعنا لمراجعة أحكامنا. إنها دعوة لعدم إغلاق الملفات
  •  الفكرية بشكل نهائي، ولإبقاء الباب مفتوحًا أمام الدهشة وإعادة الاكتشاف.

 

**نظرة ساخرة على السياسة و"جمهورية بارنز الودودة"**

 

ربما يكون قسم السياسة هو الأكثر كشفًا لشخصية بارنز العامة ومواقفه.

 يعترف الروائي المخضرم، الذي عاصر تحولات كبرى في المشهد السياسي البريطاني، بأنه لم يصوت لحزب المحافظين سوى مرة واحدة في حياته، وكان ذلك في أوائل السبعينيات، في مواجهة بين إدوارد هيث (المحافظ) وهارولد ويلسون (العمالي)، مما يعكس ميوله اليسارية المعتدلة أو الليبرالية.

 

  • لكن بارنز لا يقدم تحليلاً سياسيًا جافًا، بل يمزج الجد بالهزل في سرده الطريف لما يمكن أن يحدث في
  •  "جمهورية بارنز الودودة" (Friendly Republic of Barnes). من خلال هذه الجمهورية
  •  المتخيلة، يطلق بارنز سهام سخريته ونقده اللاذع لبعض جوانب الواقع البريطاني. من مقترحاته:
  •  فرض حظر صارم لمدة 50 عامًا يمنع أي خريج من مدرسة إيتون العريقة (رمز النخبة التقليدية) من
  •  تولي منصب رئاسة الوزراء. هذا الاقتراح، وإن كان هزليًا، يحمل نقدًا ضمنيًا لسيطرة طبقة اجتماعية

 معينة على مقاليد الحكم. ومن وعوده الأخرى تحويل أحد القصور الملكية الفخمة إلى متحف لتاريخ تجارة العبيد، في إشارة واضحة إلى ضرورة مواجهة بريطانيا لتاريخها الاستعماري وتجارة الرقيق بشكل أكثر جدية وصراحة، وربما تعويضًا عن الإرث الثقيل لذلك الماضي. هذه المقترحات تكشف عن بارنز كناقد اجتماعي وسياسي يستخدم السخرية كسلاح لتمرير رسائل جادة حول العدالة الاجتماعية والذاكرة التاريخية والامتياز الطبقي.

 

**بارنز ناقدًا وقارئًا في عوالم الكتب والكلمات**

 


**"تغيير رأيي" لجوليان بارنز: رحلة فكرية في فن المراجعة الذاتية وتقلبات الذاكرة**

بصفته روائيًا وناقدًا، لا يمكن لكتاب مقالات لبارنز أن يخلو من تأملات حول الكتب والكلمات.

 وإن لم يفصّل النص الأصلي محتوى هذه الأقسام، يمكننا التكهن بأن بارنز، بقلمه الرشيق وذهنه الوقاد، سيخوض في عوالم الأدب، مناقشًا كتّابًا وأعمالاً أثرت فيه، أو ربما يتناول قضايا لغوية، سحر الكلمات وقدرتها على تشكيل الواقع وتشويهه. من المرجح أن يقدم قراءات نقدية ذكية، لا تخلو من آرائه الشخصية القوية، التي قد تتغير هي الأخرى مع مرور الوقت، كما يوحي عنوان الكتاب. قد يناقش متعة القراءة، دور الأدب في فهم الحياة، أو حتى التحديات التي تواجه الكاتب والقارئ في العصر الرقمي.

 

**السن والوقت تأملات في خريف العمر**

 

أخيرًا، قسم "السن والوقت" يعيدنا إلى النقطة التي بدأنا منها: الذاكرة وتأثير الزمن. 

من المتوقع أن يقدم بارنز في هذا القسم تأملات أكثر شمولية حول معنى التقدم في السن، ليس فقط من منظور تدهور الذاكرة، بل أيضًا من حيث تغير المنظور للحياة، للعلاقات، وللإرث الذي يتركه الإنسان. قد يتناول الإحساس المتزايد بسرعة مرور الوقت، أو الحكمة (أو ربما السخرية) التي تأتي مع الخبرة المتراكمة. إنها فرصة للقارئ ليشارك بارنز لحظات من التأمل الهادئ حول المراحل الحتمية للحياة البشرية.

 

**أسلوب بارنز مزيج من العقلانية والسخرية والأناقة**

 

ما يميز كتابات بارنز، سواء في رواياته أو مقالاته، هو ذلك المزيج الفريد من العقلانية الواضحة، والسخرية الذكية التي لا تجرح ولكنها تدفع للتفكير، والبصيرة النافذة في فهم النفس البشرية والمجتمع. لغته تتسم بالأناقة والدقة، وقدرته على الانتقال بسلاسة بين الجد والهزل، بين الشخصي والعام، تجعل قراءته متعة فكرية وجمالية. في "تغيير رأيي"|.

 يقدم بارنز نفسه كمرشد عقلاني وساخر في آن، يدعونا لاستكشاف العالم بعيون متسائلة وفكر مرن، مبرهنًا على أن الاعتراف بالخطأ وتغيير الرأي ليس ضعفًا، بل قوة.

 

**"خير الكلام ما قل ودل" قوة التكثيف في كتاب صغير**

 

على الرغم من أن الكتاب يتألف من 57 صفحة فقط مطبوعة بخط صغير، إلا أنه يجسد المقولة العربية الشهيرة "خير الكلام ما قل ودل". يرى المراجع أن هذا الحجم الصغير لا ينتقص من قيمة الكتاب، بل ربما يزيده قوة وتأثيرًا. إنه كتاب مثالي لمن يبحث عن جرعة فكرية مكثفة، يمكن قراءتها في جلسة واحدة أو اثنتين، وتترك أثرًا يدوم طويلاً. إنه دليل على أن الأفكار العميقة لا تحتاج بالضرورة إلى مجلدات ضخمة.

  1.  وأن الإيجاز المدروس يمكن أن يكون أكثر بلاغة وفعالية.
  2.  الكتاب مصمم ليكون رفيقًا للحظات التأمل والاختلاء بالنفس
  3.  دعوة للتوقف قليلًا في خضم الحياة المتسارعة والتفكير في كيفية تشكل آرائنا وتغيرها.

 

**خاتمة دعوة للقراءة والتفكير**

 


**"تغيير رأيي" لجوليان بارنز: رحلة فكرية في فن المراجعة الذاتية وتقلبات الذاكرة**

"تغيير رأيي" لجوليان بارنز ليس مجرد مجموعة مقالات، بل هو شهادة على رحلة فكرية مستمرة، ودعوة مفتوحة للقارئ للمشاركة في هذه الرحلة.

إنه كتاب يحتفي بفضائل الشك الصحي، والمرونة الفكرية، والشجاعة اللازمة لمراجعة الذات وتغيير الآراء المسبقة. من خلال تأملاته حول الذاكرة والسياسة والأدب والزمن، يقدم بارنز للقارئ مادة غنية للتفكير، بأسلوبه الأنيق والساخر والمفعم بالذكاء. إنه كتاب صغير في حجمه، كبير في أثره، ومناسب تمامًا لأولئك الذين يقدرون الكتابة العميقة والموجزة، ويرغبون في قضاء ساعة أو نحو ذلك بصحبة واحد من ألمع العقول الأدبية المعاصرة. يُعد الكتاب إضافة قيمة لمكتبة كل قارئ مهتم بالأدب والفكر وتقلبات النفس البشرية.

 

*سيصدر كتاب "تغيير رأيي" لجوليان بارنز عن دار نوتينغ هيل إيديشنز في الـ18 من مارس، بسعر 8.99 جنيه استرليني.*

عناصر الموضوع

1.  **جوليان بارنز** (Julian Barnes) - اسم المؤلف.

2.  **تغيير رأيي** (Changing My Mind) - عنوان الكتاب.

3.  **مراجعة كتاب** - نوع المحتوى.

4.  **مقالات** / **مجموعة مقالات** - طبيعة الكتاب.

5.  **الذاكرة** - أحد أهم محاور الكتاب.

6.  **تغيير الرأي** / **مرونة فكرية** - الموضوع الرئيسي للكتاب.


7.  **الأدب البريطاني المعاصر** - تصنيف المؤلف والكتاب.
8.  **التقدم في السن** / **الشيخوخة** / **السن والوقت** - موضوع متكرر.
9.  **تدهور الذاكرة** / **هشاشة الذاكرة** - تفصيل لموضوع الذاكرة.
10. **السياسة** / **السياسة البريطانية** - قسم مهم في الكتاب.
11. **السخرية** / **كتابة ساخرة** - أسلوب بارنز.
12. **التأمل** / **كتاب للتأمل** - الغرض من قراءة الكتاب.
13. **النقد الأدبي** - دور بارنز وجانب من محتوى الكتاب.
14. **إي إم فورستر** (E. M. Forster) - كاتب تم ذكره كمثال.
15. **نوتينغ هيل إيديشنز** (Notting Hill Editions) - دار النشر.
16. **كتاب قصير** / **كتاب موجز** / **الإيجاز** / **خير الكلام ما قل ودل** - حجم الكتاب وأسلوبه.
17. **المراجعة الذاتية** - مفهوم مرتبط بتغيير الرأي.
18. **جمهورية بارنز الودودة** - مثال طريف من قسم السياسة.
19. **مدرسة إيتون** - إشارة في القسم السياسي.
20. **تجارة العبيد** - إشارة في القسم السياسي.


**"تغيير رأيي" لجوليان بارنز: رحلة فكرية في فن المراجعة الذاتية وتقلبات الذاكرة**




google-playkhamsatmostaqltradent